الفتنة في عهد عثمان ابن عفان
إخبار رسول
الله صلى الله عليه وسلم بهذه الفتنة التي سيقتل فيها عثمان.
عن عبد الله بن حوالة أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«من نجا من ثلاث فقدنجا -ثلاث مرات-: موتى، والدجال، وقتل خليفة مصطبر بالحق
معطيه».
ومعلوم أن الخليفة الذي قتل مصطبرا بالحق هو عثمان، فالقرائن
تدل على أن الخليفة المقصود بهذا الحديث هو عثمان بن عفان رضي الله عنه . وفي الحديث
-والله أعلم- لفتة عظيمة إلى أهمية السلامة من الخوض في هذه الفتنة
حسيًّا ومعنويًا، أما حسيًا فذلك يكون في الفتنة من تحريض وتأليب وقتل
وغير ذلك، وأما معنويًا فبعد الفتنة من خوض فيها بالباطل، وكلام فيها
بغير حق، وبهذا يكون الحديث عاما للأمة، وليس خاصا بمن أدرك الفتنة.
عن ابن عمر قال: ذكر
رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة، فمر رجل فقال:
«يقتل فيها هذا المقنع يومئذ
مظلوما»
قال: فنظرت فإذا هو عثمان بن عفان.
عن أبي حبيبة أنه دخل الدار
وعثمان محصور فيها، وأنه سمع أبا هريرة يستأذن عثمان في الكلام، فأذن
له، فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول:
«إنكم تلقون بعدي فتنة واختلافا» أو قال «اختلافا وفتنة»
فقال له قائل من الناس: فمن
لنا يا رسول الله؟ قال:
«عليكم بالأمين وأصحابه»
وهو يشير إلى عثمان بذلك.
أسباب
الفتنة في عهد عثمان رضي الله عنه
أولاً: الرخاء وأثره في
المجتمع
لما جاء عهد عثمان وتوسعت
الفتوحات شرقا وغربا، وبدأت الأموال تتقاطر على بيت المال من الغنائم
والأسلاب, وامتلأت أيدي الناس بالخيرات والأرزاق، ترتب علي ذلك انشغال الناس بالدنيا
والافتتان بها، وصارت مادة للتنافس والبغضاء.
ثانيًا: طبيعة التحول
الاجتماعي في عهد عثمان
لما توسعت الدولة
الإسلامية عبر حركة الفتوح حصل تغير في تركيبة المجتمع واختلالات في
نسيجه؛ فورثت الدولة الإسلامية ما على هذه الرقعة الواسعة من أجناس،
وألوان، ولغات، وثقافات، وعادات، ونظم، وأفكار، ومعتقدات، وفنون أدبية
وعمرانية، ومظاهر، وظهرت على سطح هذا النسيج ألوان مضطربة ، ورقع غير
منسجمة، فصار المجتمع غير متجانس في نسيجه التركيبي ، فحصلت تغيرات في
نسيج المجتمع البشري المكون من جيل السابقين وسكان البلاد المفتوحة،
والأعراب ومن سبقت لهم ردة، واليهود والنصارى، وأدىذلك إلى ظهور لون جديد
من الانحرافات، وفي قبول الشائعات .
ثالثـًا:
مجيء عثمان بعد عمر رضي الله عنهما
كان مجيء عثمان رضي الله عنه مباشرة بعد عمر بن
الخطاب رضي الله عنه واختلاف الطبع بينهما مؤديا إلى تغير أسلوبهما في معاملة
الرعية، فبينما كان عمر قوي الشكيمة، شديد المحاسبة لنفسه, ولمن تحت يديه،
كان عثمان ألين طبعا وأرق في المعاملة، ولم يكن يأخذ نفسه أو يأخذ
الناس بما يأخذهم به عمر حتى يقول عثمان نفسه : ( يرحم الله عمر، ومن
يطيق ما كان عمر يطيق)
رابعًا: خروج كبار
الصحابة من المدينة
كان عمر يخاف على الصحابة
من انتشارهم في البلاد المفتوحة وتوسعهم في القطاع والضياع، فكان يأتيه
الرجل من المهاجرين وهو ممن حبس في المدينة فيستأذنه في الخروج فيجيبه
عمر: (لقد كان لك في غزوك مع رسول الله ما يبلغك، وخير لك من الغزو اليوم
ألا ترى الدنيا ولا تراك)
وأما عثمان فقد سمح لهم
بالخروج ولان معهم. يقول الشعبي: فلما ولي عثمان خلى عنهم فاضطربوا
في البلاد وانقطع إليهم الناس، فكان أحب إليهم من عمر فكان من نتائج هذا
التوسع أن اتخذ رجال من قريش أموالا في الأمصار، وانقطع إليهم الناس .
خامسًا: العصبية
الجاهلية
يقول ابن خلدون:.. وأما سائر العرب من بني بكر بن وائل
وعبد القيس وسائر ربيعة والأزد وكندة وقضاعة وغيرهم، فلم يكونوا في تلك
الصحبة بمكان إلا قليل منهم، وكانت لهم في الفتوحات قدم، فكانوا يرون ذلك
لأنفسهم ...فلما انحصر ذلك العباب( الوحي ونزول الملائكة) وتنوسى الحال
بعض الشيء، وذل العدو واستفحل الملك، كانت عروق الجاهلية تنبض، ووجدوا
الرياسة عليهم من المهاجرين والأنصار وقريش وسواهم، فأنفت نفوسهم منه،
ووافق ذلك أيام عثمان فكانوا يظهرون الطعن في ولاته بالأمصار،
والمؤاخذة لهم باللحظات والخطوات، والاستبطاء عليهم الطاعات، والتجني
بسؤال الاستبداد منهم والعزل، ويفيضون في النكير على عثمان.
سادسًا:
توقف الفتوحات
حين
توقفت الفتوح في أواخر عهد عثمان أمام حواجز طبيعية أو بشرية لم
تتجاوزها سواء في جهات فارس وشمالي بلاد الشام أم في جهة أفريقية، توقفت
الغنائم على أثرها، فتساءل الأعراب: أين ذهبت الغنائم القديمة؟ أين ذهبت
الأراضي المفتوحة التي يعدونها حقا من حقوقهم؟ وانتشرت الشائعات الباطلة
التي اتهمت عثمان رضي الله عنه بأنه تصرف في الأراضي الموقوفة على المسلمين وفق هواه، وأنه
أقطع منها لمن شاء من الناس.
سابعًا: المفهوم الخاطئ
للورع
الورع في الشريعة طيب؛ وهو أن يترك ما لا بأس به مخافة مما
فيه بأس. ... ومن أخطر أنواع الورع: الورع الجاهل الذي يجعل المباح حراما
أو مفروضًا، وهذا الذي وقع فيه أصحاب الفتنة؛ فقد استغل أعداء الإسلام
يومها مشاعرهم هذه ونفخوا فيها، فرأوا فيما فعله عثمان من المباحات
أو المصالح خروجا على الإسلام وتغييرا لسنة من سبقه، وعظمت هذه المسائل في
أعين الجهلة فاستباحوا أو أعانوا من استباح دم الخليفة الراشد عثمان
بن عفان رضي الله عنه ، وفتحوا على المسلمين باب الفتنة إلى اليوم.
ثامنًا: طموح الطامحين
وجد في الجيل الثاني من
أبناء الصحابة -رضي الله عنهم- من يعتبر نفسه جديرا بالحكم والإدارة، ووجد
أمثال هؤلاء أن الطريق أمامهم مغلق، وفي العادة أنه متى وجد الطامحون
الذين لا يجدون لطموحهم متنفسا فإنهم يدخلون في كل عملية تغيير، ومعالجة
أمر هؤلاء في غاية الأهمية .
تاسعًا: تآمر الحاقدين
لقد دخل في الإسلام
منافقون موتورون اجتمع لهم من الحقد والذكاء والدهاء ما استطاعوا أن
يدركوا نقاط الضعف التي يستطعيون من خلالها أن يوجدوا الفتنة, ووجدوا من
يستمع إليهم بآذان مصغية، فكان من آثار ذلك ما كان فقد عرفنا سابقا وجود
يهود ونصارى وفرس، وهؤلاء جميعا معروف باعث غيظهم وحقدهم على الإسلام
والدولة الإسلامية، ولكننا هنا نضيف من وقع عليه حد أو تعزير لأمر ارتكبه
في وسط الدولة، عاقبه الخليفة أو ولاته في بعض الأمصار وبالذات البصرة
والكوفة ومصر والمدينة، فاستغل أولئك الحاقدون من يهود ونصارى وفرس وأصحاب
الجرائم مجموعات من الناس كان معظمهم من الأعراب، ممن لا يفقهون هذا
الدين على حقيقته, فتكونت لهؤلاء جميعا طائفة وصفت من جميع من قابلهم
بأنهم أصحاب شر.
عاشرًا: التدبير المحكم
لإثارة المآخذ ضد عثمان
كان المجتمع مهيأ لقبول الأقاويل والشائعات
نتيجة عوامل وأسباب متداخلة، وكانت الأرض مهيأة، ونسيج المجتمع قابلا
لتلقي الخروقات، وأصحاب الفتنة أجمعوا على الطعن في الأمراء بحجة الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر حتى استمالوا الناس إلى صفوفهم، ووصل الطعن إلى
عثمان بن عفان رضي الله عنه نفسه
باعتباره قائد الدولة.
حادي عشر: استخدام
الأساليب والوسائل المهيجة للناس
وأهم هذه الأساليب: إشاعة
الأراجيف حيث ترددت كلمة الإشاعة والإذاعة كثيرا، والتحريض والمناظرة
والمجادلة للخليفة أمام الناس، والطعن على الولاة، واستخدام تزوير الكتب
واختلافها على لسان الصحابة رضي الله عنهم؛ عائشة وعلي وطلحة والزبير،
والإشاعة بأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه الأحق
بالخلافة، وأنه الوصي بعد رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، وتنظيم فرق في كل من البصرة والكوفة ومصر، أربع فرق من كل
مصر، مما يدل على التدبير المسبق. وأوهموا أهل المدينة أنهم ما جاءوا إلا
بدعوة الصحابة، وصعَّدوا الأحداث حتى وصلت إلى القتل.
ثاني عشر: أثر السبئية
في أحداث الفتنة
إن شخصية ابن سبأ حقيقة تاريخية لا لبس
فيها في المصادر السنية والشيعية المتقدمة والمتأخرة على السواء، وهي
كذلك أيضا عند غالبية المستشرقين أمثال: يوليوس فلهاوزن وفان فولتن, وليفي
ديلافيدوجولد تسيهر ورينولد نكلسن ودوايت رونلدسن. على حين يبقى ابن
سبأ محل شك أو مجرد خرافة عند فئة قليلة من المستشرقين أمثال كيتاني,
وبرنارد لويس وفريد لندر المتأرجح.. علما بأننا لا نعتد بهم في أحداث
تاريخنا.