salama المديرالعام
رقم العضوية : 1 الجنس : مزاجي : مهنتي : دولتي : نقاط : 3935 العمر : 42 تاريخ الميلاد : 05/06/1982 تاريخ التسجيل : 12/04/2011 عدد المساهمات : 1292 الموقع : https://ferdjioua-51.own0.com
| موضوع: الغيرة والمنافسة السبت أبريل 14, 2012 12:54 pm | |
| الغيرة والمنافسة
الغيرة قد تكون مفيدة حيناً مؤذية حيناً آخر . إنها عاطفة قوية حتى عند البالغين من الناس . ولكنها – على الأغلب – اشد ازعاجاً للطفل الصغير جداً لأنه لا يعرف بالضبط ما أصابه .
وحين تكون الغيرة شديدة فانها قد تُحيل حياة الطفل إلى جحيم فترة طويلة من الزمن , ومع ذلك فإن الغيرة جزء من واقع الحياة ولا يمكن تجنبها كلياً . ومن هنا لم يكن من الجائز للأبوين ان يأملا بتحقيق المستحيل . على أنهما يستطيعان عمل الكثير للحد منها ومساعدة الطفل على التسامي بها نحو مشاعر أخرى ليست أليمة بل هي بناءة . فإذا ما أدرك الطفل أنه ليس ثمة سبب يدعوه إلى الخوف من منافسه فإن ذلك يعزز روحه المعنوية بحيث يصبح أقدر على مواجهة حالات المنافسة في حياته المقبلة سواء كان ذلك في العمل أو في المنزل .
مساعدة الطفل على أن يحس بأنه أصبح الآن أكبر سناً وأنضج . إن رد الفعل لدى عدد كبير من الأطفال عند ولادة طفل جديد في الأسرة يتخذ شكل التمسك بأنهم لا يزالون هم أنفسهم أطفالاً صغاراً ويتوقون إلى الارتداد إلى حالة الطفولة الصغيرة ولو جزءاً من الوقت فقط وهي حالة طبيعية عادية . وهكذا تجد الأم طفلها الكبير يتوق أحياناً إلى العودة إلى الرضاعة الزجاجية بل إنه كثيراً ما يبول في فراشه أو سرواله ويعرض ثيابه للتلطخ بالوحل مثلاً . ولقد يرتد إلى التحدث بالطريقة التي كان يستخدمها وهو طفل ويبدو عاجزاً عن عمل شيء لنفسه . اعتقد أن الأم الحكيمة تقابل هذه التصرفات بروح طيبة مرحة ولا سيما حين يكون حنين الطفل لتصرفات سن الصغر قوياً جداً . بل إنها تستطيع أن تحمل الطفل إلى غرفته بروح طيبة و تنزع ثيابه و كأنها تلعب معه . وعندئذ يحس الطفل الكبير – نسبياً – بانه ليس محروماً من هذه المداعبات التي يتصورها مبهجة ولكنها قد تثبت أنها مخيبة للأمل .
ومهما يكن من أمر فإنني أعتقد أن في وسع الأبوين أن يساعدا الطفل اكثر إذا هما ركزا معظم الوقت على ذلك الجانب الذي يزيد أن ينمو وينضج من نفسه . وفي وسعهما كذلك أن يذكراه بمدى ما يتمتع به من نضوج وقوة وذكاء أو براعة . ولست أعني بذلك أن تبني فيه روح الغرور فتبالغي في امتداحه بل أقصد أن توجهي اليه الثناء بإخلاص كلما كان هذا الثناء صادقاً وفي محله . وتستطيع الأم أن تشير من وقت إلى آخر إلى بعض جوانب الطفل الصغير و عجزه بلهجة مشبعة بالعطف .
إنك الآن تلاحظين أنني لا أطلب منك أن تجري مقارنات مباشرة بين الطفل الكبير والطفل الصغير توحي بتفضيل الكبير على الصغير . ذلك أن مثل هذا التفضيل قد يرضي الطفل الكبير ولكن بصورة مؤقتة فقط. أما في المدى البعيد فإنه سيشعر بعدم الاطمئنان في ظل أبوين متحيزين – فقد يغيران موقفيهما إلى تفضيل عكسي . إن على الأبوين أن يجعلا حبهما لطفلهما واضحاً جلياً بالطبع ولكني إنما أقصد هنا التركيز على أهمية إتاحة الفرصة للطفل الأكبر ليشعر بالفخر والاعتزاز بنضوجه وتذكيره بأن هنالك سيئات كثيرة تقترن بكون الطفل صغيراً .
على أن تشجيع الطفل على أن يبدو كبير السن ينبغي أن لا يغالى فيه . ذلك أنه اذا ظلت الأم تعتبر كل الأشياء التي يتوق الطفل موقتاً إلى أدائها بأنها أعمال " طفولية " وكل الأشياء التي يؤثر الامتناع موقتاً عن أدائها " دليل نضوج " فان ذلك لن يؤدي إلا إلى أن يستخلص الطفل أنه بالتأكيد يؤثر البقاء طفلاً . تحويل المنافسة إلى موقف مساعدة . إن إحدى الطرق التي يحاول بها الطفل الصغير أن يتغلب على الألم الذي يحدثه فيه وجود منافس أصغر له هي العمل كما لو كان هو نفسه لم يعد طفلا ينافس أخاه الاصغر بل هو الآن ثالث الأبوين لأخيه الصغير. ومن الطبيعي أنه حين يحس بغضب جامح من الطفل الصغير فقد يتصرف معه كما تتصرف الأم – أو الأب – المستاء . ولكن حين يهيمن عليه شعور قوي بالطمأنينة فانه قد يصبح كذلك النمط من الآباء والأمهات الذين يتولون تعليم طفلهم كيف ينجز الأعمال ويعطونه اللعب والدمى ويساعدونه عند تناول الغذاء والاستحمام وارتداء الملابس والتسرية عنه حينما يشعر بالحزن والأسى ويحمونه عند التعرض للأخطار . إن الأبوين يستطيعان مساعدة طفلهما الكبير مساعدة كبيرة من خلال ارشاده إلى كيفية تقديم العون لهما في الحالات والأوقات التي لا يخطر بباله أثناءها أن يفعل ذلك وكذلك من خلال اظهار تقديرهم البالغ لجهوده . ومما هو جدير بالذكر أن كثيرات من أمهات التوائم اللواتي كن يجتزن مرحلة من الحاجة الماسة إلى العون الحقيقي , أخبرنني أنهن كن يدهشن أشد الدهشة حين يلاحظن مدى العون الكبير الذي تقدمه لهن أخت التوأمين الكبيرة والتي لا يزيد عمرها على ثلاث سنوات مثلاً . فحتى الطفل الصغير يستطيع عند الحاجة أن يأتي بمنشفة الحمام أو الفوطة أو زجاجة الحليب من البراد . وهو يستطيع أن يمثل – أو يتظاهر بتمثيل – دور القائم " بمراقبة " أخيه الطفل الصغير عندما تكون أمه بعيدة عنه . إن الطفل يكاد يريد دائماً أن يمسك بأخيه الطفل الأصغر ولكن الأم تتلكأ على بساط أو بطانية مثلا , فإن سقوط الطفل الصغير من بين يديه يكون ضئيلا ً. وفي مثل هذه الحالات يكون في وسع الابوين أن يساعدا الطفل على تحويل مشاعره المشبعة بالاستياء إلى مشاعر ملؤها الرغبة في التعاون والحب الصادق للآخرين . ويلاحظ أن الطفل البكر يتعرض عادة إلى الشعور بالاهمال عندما يولد الطفل الثاني لأنه لم يسبق أن شاركه أحد من قبل في محبة والديه . أما الطفل الوسط فليس مضطراً إلى المناضلة بين أن يكون أخاً أو يكون أباً عندما تضع أمه طفلا جديداً . فهو يستطيع أن يرى أنه لا يزال على كل حال واحداً من أطفال الاسرة كما كان من قبل . وأنني لأعتقد أن حاجة الطفل البكر الطبيعي لكي يتصور نفسه كأب تساعد على أن تفسر سبب اقبال نسبة كبيرة من الاطفال الابكار على ممارسة مهن كالتعليم والأعمال الاجتماعية والتمريض والطب مما له علاقة وثيقة بالعناية بالآخرين .
اعداد الطريق أمام الطفل . من المفيد للطفل أن يعرف مسبقا أنه سيصبح له عما قريب أخ أو أخت , إذا كان قد بلغ من العمر ما يمكنه من فهم ذلك . فمثل هذه المعرفة المسبقة كفيلة بأن تعوده تقبل الفكرة تدريجاً . ( ولكن إياك أن تعديه بأن يكون الطفل المرتقب ذكراً أو أنثى فهو ينظر إلى وعد كهذا بجدية تامة ) . إن معظم المعلمين و علماء النفس الأطفال يعتقدون أنه من المفيد للطفل أن يعرف أن الطفل الصغير ( الجنين ) ينمو داخل أحشاء أمه و أن يحس حركته داخلها بيديه . ولكن من الصعب أن يفسر ذلك للطفل الذي يقل عمره عن عامين إن ولادة الطفل الجديد ينبغي أن لا تغير حياة الطفل الأكبر إلا ضمن أقل قدر ممكن ولا سيما إذا كان الطفل الوحيد حتى ذلك الوقت . فمن الأفضل إذاً إحداث جميع التغييرات الممكنة قبل بضعة أشهر من موعد الولادة . فإذا كان من المقرر مثلا إعطاء غرفته للطفل الجديد فمن الحكمة نقله إلى غرفته الجديدة قبل ذلك بعدة أشهر حتى يحس بأن سبب نقله هو نموه ونضوجه لا لإن الطفل الجديد سينزع مكانه . و يصدق ذلك أيضاً على نقله إلى سرير أكبر . وإذا كان من المقرر إرساله إلى مدرسة للحضانة فينبغي أن يتهيأ نفسياً للأمر قبل موعد إرساله بشهرين . فليس ثمة شيء يجعل الطفل يمقت دار الحضانة بقدر شعوره بأنه ذاهب إليها منفياً .ولكن إذا تهيأ ذهنه للأمر مسبقاً فإنه يذهب إليها منشرحاً الأمر الذي يصرفه عن الانزعاج مما طرأ على البيت من تغير . إن على الطريقة التي يتصرف بها الطفل عندما تكون أمه في المستشفى يتوقف الشيء الكثير من حيث مشاعره نحوها ونحو الطفل الجديد بعد أن يعود كلاهما إلى المنزل ز ولعل أهم نقطة هنا هي معرفة من سيعنني بأمره .
عندما تأتي الأم بالطفل إلى البيت . إن اللحظة التي تصل فيها الأم إلى البيت قادمة من المستشفى تكون عادة لحظة قلق بالغ فهي متعبة منهكة القوى منشغلة البال . فالاب يعدو هنا وهناك مسرعاً يحاول تقديم المساعدة أما الطفل الأكبر فيقف منزعجاً لا يلتفت اليه أحد ويقول في نفسه : واذاً , فهذا هو الطفل الجديد . فإذا كان من المرجح أن يكون وضع الطفل الأكبر هكذا عند قدوم الأم من المستشفى فمن الأفضل أن لا يكون موجوداً في البيت عند وصولها اذا أمكن تدبير أمر ذلك . ولكن بعد مضي نحو ساعة من الزمن وبعد أن يكون الطفل الجديد قد استقر في مكانه ووضعت الثياب المنقولة في مكانها أيضاً وأخذ الاسترخاء يعود إلى الام وهي مستلقية في فراشها , يكون الوقت حان للإتيان بالطفل الاكبر وادخاله على أمه التي يحسن أن تلاطفه و تدلله وتتحدث إليه وتبدي اهتماماً بالغاً به , وعندئذ له ان يبحث موضوع الطفل الجديد متى شاء . ولعل اللباقة تقضي بأن تحاول الام التقليل من شأن الطفل الجديد في الأسابيع القليلة الأولى فلا تعامله بلهفة وشوق بالغين ولا تكثر الحديث عنه , بل أنه من المستحسن أن يكون استحمامه وتغذيته عندما يكون الاخ الأكبر خارج المنزل أو في اغفاءة من النوم . فكثيرون من الأطفال الصغار يشعرون بغيرة بالغة حينما يرون الام وهي تطعم الطفل الجديد الصغير ولا سيما اذا كان غذاؤه بالرضاعة الثديية . فإذا كان الطفل الأكبر في هذه الحالة قريباً من أمه فيحسن أن تترك له حرية الحركة , أما إذا كان يلعب بعيداً عنها فمن الحكمة أن لا يلفت نظره إلى ما تقوم به أمه حينذاك .
فاذا أبدى رغبة في أن يتناول حليبه هو الآخر من الزجاجة فإنني أرى أن تسمح له امه بذلك مبدية ما أمكنها من السرور . ومن الطبيعي أنه مما يؤسف له أن ترى الأم طفلها الأكبر يحاول تناول الحليب من الزجاجة بدافع من حسده للطفل الصغير . ولكن الطفل الأكبر يتصور حينذاك أن العودة إلى تناول الحليب من الزجاجة هي منتهى السعادة . على أنه حالما يبدأ بامتصاص الحليب من الزجاجة يصاب بخيبة الأمل اذ لا يجد إلا حليباً مشبعاً بمذاق المطاط . قد يحس بين وقت وآخر برغبة عابرة في تناول الحليب من الزجاجة وذلك خلال عدة أسابيع ولكن ليس هنالك أي خطر من أن يتعود ذلك ويرغب فيه إلى الأبد إذا كانت أمه تقدم له الزجاجة دون تبرم كلما طلبها وكانت تساعده في جميع العناصر الاخرى للتغلب على ما يحسه من غيرة .
وهنالك أشخاص آخرون أيضاً يلعبون دورهم في إثارة الغيرة , فعندما يعود الأب إلى البيت قادماً من مكان عمله يحسن به أن يكبح رغبته فلا يسأل زوجته " كيف حالة الطفل اليوم ؟ " إذ من الأفضل أن يتصرف و كأنما قد نسي أن هنالك طفلاً صغيراً جديداً في البيت فيجلس بهدوء دون الاشارة إلى ذلك . وبعد فترة من الزمن وحين يلاحظ ان الطفل الاكبر منصرف إلى شيء ما , قد يكون في وسعه أن يتسلل إلى غرفة الطفل الصغير ليلقي نظرة عليه . وهنا قد تكون الجدة التي اعتادت المبالغة في اطراء الطفل الكبير مشكلة ايضاً . فهي تدخل إلى البيت حاملة باقة كبيرة بداخلها هدية رائعة للطفل الصغير فتجد أمامها الطفل الاكبر فتقول له دون وعي " أين أختك الصغيرة الحبيبة ؟ لقد احضرت لها هدية جميلة " . وهنا تنقلب فرحة الطفل برؤيتها إلى مرارة . واذا كانت علاقات الام باحدى زائراتها لا تكفي لكي تجرئها على مفاتحة الزائرة بالطريقة التي ينبغي لها أن تتصرف بها لكي لا تثير غيرة الطفل الكبير فإن في وسعها ان تحتفظ بصندوق يضم عدداً من الهدايا غير الثمينة وتبقيه داخل الخزانة بحيث تقدم للطفل احدى ما فيه من الهدايا كلما قدمت زائرة لتقدم للطفل الصغير هدية . ولقد يكون إلهاء الطفل الاكبر – سواء كان ذكراً أو أنثى – بدمية ما في الوقت الذي تكون فيه أمه منصرفة إلى العناية بالطفل الصغير , عزاء له وسلوى . فهو يحاول أن يدفء زجاجة حليب لدميته بنفس الطريقة التي تتبعها أمه عندما تريد تغذية الطفل الصغير ويجمع قطعاً صغيرة من الاقمشة الادوات التي تستخدمها أمه . ولكن على الأم أن تحرص على أن لا يصرف هذا النوع من اللعب الطفل الكبير عن العناية بالطفل الحقيقي الصغير نفسه , بل يكون مجرد عامل مساعد له . الغيرة تتخذ أشكالاً عدة . إذا التقط طفل ما لعبة وضرب اخاه – أو أخته – الصغير فان الام تدرك ان ذلك مرده الغيرة . ولكن هنالك بعض الاطفال الذين يتمتعون بقدر أكبر من التهذيب . وحين يكون الطفل الكبير من هذا الطراز فإنه يبدي إعجابه بالطفل الوليد بضعة أيام ولكن دون أن يقترن ذلك بالحماس ثم يقول " الآن عودا به إلى المستشفى " . ولقد نجد طفلا ما يحس باستياء بالغ من أمه فيعبث في رماد المدفأة ويبعثره فوق بساط الغرفة بهدوء وكأنه لم يفعل شيئاً , ونجد طفلاً آخر ذا طبيعة مختلفة يظهر عليه رد الفعل على شكل كآبة واعتماد تام على أمه فيفقد الاحساس بالمر أو الابتهاج بما لديه من لعب ودمى ويلحق بأمه أينما ذهبت ممسكاً باطراف ثوبها واضعاً إبهامه في فمه ليمصه . ولقد يبلغ الحال بمثل هذا الطفل حداً يجعله يبول في فراشه أثناء النوم مع أنه سبق أن كف عن ذلك منذ وقت غير قصير . وكثيراً ما نجد طفلاً تنقلب غيرته إلى داخل نفسه فيصبح التفكير في أخته الصغيرة همه الوحيد . فعندما يجد أمامه كلباً مثلاً يكون كل ما يستطيع قوله هو " أن الطفل الصغير يحب الكلب " . وعندما يرى أصدقاءه يركبون دراجاتهم الهوائية ذات العجلات الثلاث , يقول " إن لأختي الصغيرة دراجة كهذه أيضاً . إنه منزعج ولكنه لا يعترف بذلك حتى بينه وبين نفسه . إن هذا الطفل يحتاج إلى المساعدة حتى أكثر من ذاك الذي يعرف بالضبط ما هو مستاء منه . وكثيراً ما تقول الأم " لقد اكتشفنا أنه لا داعي لأن ننزعج بشأن الغيرة إطلاقاً . ذلك أن جوني مشغوف بالطفل الجديد " . من الجميل حقاً أن يبدي الطفل الكبير حباً لاخيه – أو أخته – الصغير ولكن لا يعني مطلقاً اغفال عنصر الغيرة . فقد تظهر آثارها بطرق غير مباشرة أو في ظروف خاصة معينة . فقد يكون لطيفاً معها داخل المنزل ولكنه يعاملها بخشونة خارج المنزل عندما يرى الغرباء السائرين في الشارع يبدون اعجابهم بها . ولقد يحدث في حالات أخرى أن لا تظهر على الطفل الصغير في أحد الأيام ليأخذ إحدى لعب و دمى الطفل الكبير وعندئذ تبدو على هذا الأخير فجأة كل علامات الغيرة . وفي أحيان أخرى لا تظهر هذه العلامات و التغيرات في المشاعر إلا في اليوم الذي يبدأ فيه الطفل الصغير بالمشي . ولقد تقول الأم " إن جوني يبدي عاطفة قوية جداً تجاه الطفل الصغير . والحقيقة أنه يدللها كثيراً في بعض الأحيان بحيث تصرخ و تبكي " . والواقع أن هذا الصراخ والبكاء ليس مصادفة غير مقصودة . ذلك أن شعور الطفل الكبير في مثل هذه الحالة يكون مختلطاً ومزيجاً من الحب والغيرة على السواء . ولا شك أنه من الحكمة أن نفترض أن هنالك دائماً قدراً من الغيرة والعاطفة سواء كان ذلك بشكل ظاهر أو مستتر . ومن هنا فليس لنا أن نتجاهل الغيرة أو نكبحها أو نجعل الطفل يبدو خجلا بها بل علينا أن نسهم في جعل مشاعر العاطفة تطفو على السطح . كيف تعالجين مختلف أنواع الغيرة . عندما يعتدي الطفل الكبير على أخيه – أو أخته – الصغير فمن الطبيعي أن تصدم الام بذلك و تنعت الطفل الكبير بما يخجله ولكن رد الفعل هذا لدى الام ليس مفيداً من وجوه عدة . فالطفل أولاً يكره أخاه الصغير لأنه يخشى أن يحل حب الأم لهذا الصغير محل ما تكنه له من حب . وعندما تهدده بأنها سوف لا تحبه بعد الآن فإن ذلك يزيده قلقاً في أعماق نفسه . ولقد يجعله الخجل أيضاً يكبت مشاعر الغيرة التي يكنها مع العلم بأن الاذى الذي تحدثه الغيرة يكون , حين يُكبح , أشد أذى و أطول مدى مما لو ظهر إلى العيان . وعلى الام هنا ثلاث مهام : أن تحمي الطفل الصغير , وأن توضح للطفل الكبير أنها لا يمكن أن تدعه يضع مشاعره الدنيئة تجاه أخيه الصغير موضع التنفيذ , و أن تطمئنه على أن أمه لا تزال تحبه . فإذا ما رأته يتقدم من أخيه الصغير بوجه مكفهر وهو يحمل في يده أداة مؤذية فإن عليها أن تثب نحوه وتمسك به و تعنفه بشدة موضحة أنها لا يمكن أن تسمح له بايذاء اخيه الأصغر . ( ينبغي أن نلاحظ أنه كلما استطاع الطفل ان يغافل امه ويؤذي اخاه الصغير , يحمل المزيد من الشعور بالاثم والاضطراب في الداخل ) . ولكنها تستطيع بين الحين والاخر ان تزيل توتر اعصابه بأن تضمه إلى صدرها في حنان وتقول " أنا أعرف ما تحس به يا جوني أحياناً فأنت تتمنى لو لم يكن هنالك طفل آخر لامك يشغلها عنك . ولكن لا داعي لان تحزن فان حب امك لك لا يقل مطلقاً ن حبها لاخيك الصغير " . فاذا ما ادرك في لحظة كهذه ان أمه تتقبل مشاعره الغاضبة ( لا أعماله المؤذية ) دون أن يفقد حبها له فإن في هذا خير برهان على أنه لا داعي لأن يقلق . أما بشأن الطفل الذي ينثر الرماد في حجرة الجلوس فمن الطبيعي أن يثير عمله هذا غضب أمه ولا مفر لها من تأنيبه . ولكنها حين تدرك أنه إنما أقدم على ذلك بدافع من شدة اليأس والمرارة فإنها قد تحس فيما بعد بأن عليها أن تطمئنه وتحاول أن تتذكر ما بدر منها وجعله لا يطيق الحالة أكثر مما فعل حتى ذلك الحين .
إن الطفل الذي يحس بالغيرة تتأكل قلبه فتنتابه الكآبة بسبب حساسيته البالغة وكبته لمشاعره , يحتاج إلى العطف والتطمين حتى أكثر من ذلك الذي يخفف من حدة مشاعره من خلال اللجوء إلى العنف . والطفل الذي لا يجرؤ على أن يسفر بجلاء عما يضايقه قد تتحسن مشاعره إذا قالت له أمه بتفهم " انني أعرف أنك تحس بالاستياء من اخيك الصغير وحتى من أمك أحياناً لإنني أعتني به " . فإذا لم يستجب لهذه التسرية عن النفس بعد وقت قصير فقد يكون من الضروري أن تأتي الام بمساعدة لها تعتني بالطفل الصغير فتبقي بذلك لنفسها وقتاً أطول تعتني فيه بطفلها الاكبر . فاذا آتت هذه الخطوة ثمارها وجعلت الطفل الكبير يعود لمرحه القديم فان ذلك يترك في نفسه أثراً عميقاً باقياً تفوق أهميته في المدى البعيد ما تنفقه الام من مال على المرأة المساعدة المطلوبة . ومن المفيد أن يستشار طبيب نفساني اخصائي في الاطفال بشأن مشكلة الطفل الذي يكبت مشاعره كلها فتروعه و تصد عن اجفانه النوم سواء اتخذ ذلك شكل كآبة دائمة أو شكل استغراق في التفكير بالطفل الاصغر . فقد يستطيع الطبيب النفساني أن ينتزع الغيرة من قلب الطفل الكبر و يجعلها تطفو على السطح الامر الذي يجعله ما يضايقه ويدفع به إلى خارج صدره . فاذا لم تظهر الغيرة بقوة الا بعد أن يبلغ الطفل الصغير سناً تمكنه من اختطاف مقتنيات ولعب و دمى الطفل الاكبر فقد يساعد على تلافي آثار هذه الغيرة , أن تُفرد حجرة خاصة للطفل الاكبر بحيث يحس فيها أنه هو ومقتنياته بمأمن من عبث أخيه الصغير – أو أخته بالطبع – أما إذا كان إفراد حجرة كهذه متعذراً فان أباه أو نجاراً خاصاً قد يستطيع أن يبني له صندوقاً كبيراً أو خزانة كبيرة الامر الذي يصون أشياءه من جهة و يمكنه من اقتناء مفتاح خاص للصندوق أو الخزانة يضعه في جيبه الخاص و يجعله يحس احسساساًً قوياً بأنه أصبح شخصاً مهماً وثمة سؤال هنا : هل ينبغي حثه أو اكراهه على أن يشارك أخاه الصغير بلعبه ؟ والجواب هو عدم إكراهه على ذلك . أما مطالبته بلطف بأن يعطي أخاه الصغير ما أصبح لا يليق إلا بالصغار فقد يسبغ عليه شعوراً بأنه أصبح كبيراً وينمي فيه روح الجود والكرم . ولكن لكي يكون للجود معنى ينبغي أن يكون صادراً من أعماق الكريم نفسه ولا بد للانسان قبل أن يكون كريماً أن يمتلئ قلبه بالامن واسلامة والمحبة . أما إذا أُكره الطفل إكراهاً على أن يكون كريماً على الرغم من عدم شعوره بالامن والطمأنينة وعلى الرغم مما يحس به من أنانية فإن هذا الاكراه يزيد العيوب رسوخاً في نفسه . و بصورة عامة يمكن القول بأن غيرة الطفل تكون في أشد حالاتها قبل أن يتجاوز الخامسة من العمر لأنه يكون حينذاك أشد اعتماداً على أبويه و تكون اهتماماته خارج نطاق أسرته ضعيقة محدودة بعد . ان الطفل الذي يزيد عمره على السادسة من العمر يبدأ في الابتعاد قليلاً عن أبويه وفي بناء مركز خاص لنفسه بين اصدقائه . فاذا أبعد عن مركز تسليط الاضواء في بيته فان ذلك لا يؤذيه كثيراً و إن كان من الخطأ أن يتوهم أن الغيرة تتلاشى في الطفل حينما يكبر , فهو يحتاج إلى الاهتمام و التذكير بأن أمه تحبه ولا سيما في البداية . والطفل البالغ الحساسية أو الذي لم يجد له مكاناً بعد في العالم الخارجي يحتاج من الحماية بقدر ما يحتاج الطفل الصغير العادي . بل إن الفتاة المراهقة بكل ما تتسم به من رغبة متزايدة في أن تصبح اماً قد تحسد لا شعورياً . أخاها الاصغر - أو أختها - على أن ثمة تحفظاً واحداً أحب هنا أن أضيفه و إن بدا متناقضاً , ذلك هو أن الابوين ذوي الضمير الحي قد يقلقان أحياناً كل القلق بسبب ما يلاحظانه على طفلهما الكبير من آثار الغيرة ويحاولان جاهدين تخليصه من هذا الشعور بحيث يجعلانه أقل لا أكثر شعوراً بالامن . وقد يصلان إلى النقطة التي يحسان فيها بالاثم لانهما أنجبا طفلا آخر ويشعران بخجل من ذلك وينصرف اهتمامهما إلى إرضاء الطفل الاكبر فاذا وجد طفل ما أن أبويه قلقان و يبدوان وكأنما هما آثمان بحقه فان ذلك يولّد في نفسه القلق و يزيد من شبهته في حقيقة شعورهما الامر الذي يزيد من دناءة شعوره نحو كلا الابوين والطفل الصغير على السواء . وبعبارة اخرى فان على الابوين ان لا يقلقا عليه أو يتخذا منه موقف الشاعر بالاثم . ألا يحتاج الطفل الصغير هو الآخر إلى شيء من العناية ؟ فمن المؤكد أننا كنا نفكر في غيرة الطفلا الأكبر من أخيه الصغير وحتى في تجاهل هذا الأخير أحياناً من أجل عدم إثارة الطفل الآخر الأكبر . إن الطفل يحتاج هو الآخر إلى قدر كبير من العناية والعطف ولكنه في أوائل أيامه وأشهره ينام ثلاثة أرباع الوقت . أما دقائق اليوم التي خلالها مهيأ للاحتضان فقليلة . وهذا يتفق مع احتياجات الطفل الأكبر . فالاشهر الاولى من عمر الطفل الصغير هي التي يحتاج فيها الطفل الأكبر إلى مزيد من العناية و اظهار العطف والحنان له . فإذا استطاع الابوان أن ينجزا هذه المهمة بنجاح منذ أول الشوط فانه يتعود شيئاً فشيئاً أن يتعايش مع أخيه الصغير ويفقد ما كان يعانيه من ذعر لقدومه . وعندما يصبح الطفل الصغير بحاجة إلى قدر كبير من العناية بعد بضعة أشهر من ولادته , يفترض أن يكون الطفل الكبير قد ااكتسب من العاطفة والحنان والعناية ما يجعله يشعر بقدر كاف من الطمأنينة بحيث لا يستاء مما يظفر به أخوه من الاهتمام والعناية . الغيرة بين الأطفال الأكبر . لا بد أن يكون هنالك شيء من الغيرة بين الاشقاء . فاذا لم تكن هذه شديدة فاغلب الظن أن تسهم في جعل الاطفال ينمون وهم أشد تسامحاً واستقلالاً وكرماً . و بصورة عامة كلما كانت معاملة الابوين لاطفالهما ملائمة ناجحة كانت الغيرة بينهم أخف . وعندما يكون كل طفل مكتفياً بما ينعم به من عاطفة الابوين تقل أسباب غيرته من بقية اشقائه وشقيقاته . ويمكن القول بأن العنصر الجوهري الذي يجعل الطفل يحس بالامن والسلام وهو بين أفراد أسرته هو شعوره بأن أبويه يحبانه ويقبلان به كما هو سواء كان ذكراً أو أنثى ذكياً أو غبياً أو غير وسيم . أما إذا كانا يقارنان بينه وبين أشقائه وشقيقاته سواء كان ذلك بصورة مكشوفة أو مستترة فإنه يحس بذلك ويشعر في قرارة نفسه بالاكتئاب والاستياء من بقية أخوته وآخواته ومن أبويه أيضاً . إن الأم المنهوكة القوى والتي تحاول جاهدة أن تعامل أولادها الذين يعانون من الغيرة بأكبر قسط من الانصاف قد تقول " والآن يا جاكي هاك محركاً يطلق ناراً حمراء اللون . و أنت يا تومي هاك محركاً آخر يماثله تماماً " ولكن بدلاً من أن يرضى ذلك كلا الاخوين فانه يسيء كليهما فان كلا منهما يتفحص اللعبتين مشككاً ليرى ما إذا كان هنالك فرق بينهما لمصلحة الأخ الآخر . ذلك أن الأمر يبدو لهما وكأن الأم تقول " لقد اشتريت هذا لك حتى لا تشكو من أنني أحابي اخاك " بدلا من أن تترك الامر يأخذ مجراه الطبيعي فتبدو وكأنها تقول لكل منهما ضمناً " لقد اشتريت هذا لك لانني واثقة من أنك ستحبه " . والواقع أنه كلما كانت المقارنات بين الاخوة والاخوات – سواء كان ذلك بلهجة المديح أو بلهجة الانتقادات أقل كان ذلك أفضل . أما أن تقولي لابنك مثلاً " لماذا لا تكون مهذباً كأختك " فإنه يجعل الابن يمقت أخته و أمه وحتى فكرة التهذيب نفسها . وإذا قلت لفتاة مراهقة " لا تبالي إذا لم تظفري بمواعيد للنزهة كالتي تظفر بها بربارا , فأنت أذكى منها بكثير . وهذا هو ما يعتد به " . فإن ذلك يخفف من حدة مشاعرها . فبصورة عامة من الاجدى أن تبقى الام بمنأى عن معظم الخلافات التي تنشب بين الاخوة الاطفال الذين يستطيعون الدفاع عن أنفسهم . أما إذا ركزت على تحديد المسؤلية أو إلقاء اللوم فإنها تترك واحداً من المتنافسين على الاقل وهو يشعر بغيرة أشد . فالاطفال يتشاجرون بسبب الغيرة ولأن كلاً منهم يود أن يظفر من أبويه بتقدير وعطف أوفر فإذا كانت الام مستعدة دائماً لأن تلزم أحد الجانبين المتشاجرين بمعنى أن تقرر من هو الجانب المخطىء ومن هو الجانب المصيب فانها بذلك تشجع الجانبين على استئناف الشجار . وفي كل مرة يحاول كل من الجانبين أن يظفر بعطف أبويه و أن يراهما يؤنبان الجانب الآخر . ومن هنا إذا كان على الأم أن توقف شجاراً ما لإنقاذ حياة أحد الاخوة أو للحيلولة دون إلحاق الظلم بأحد الفريقين أو لإعادة الهدوء لترتاح هي نفسها , فمن الأفضل حينئذ أن تطالب بوضع حد للشجار و أن ترفض الاستماع إلى المناقشات و أن تتصرف و كأنها غير آبهة لاعتداء أحد على حقوق الآخر و أن تركز على ما ينبغي عمله بعد انتهاء الشجار تاركة ما حدث وانقضى يذهب في سبيله . و في وسعها , في بعض الحالات , أن تقترح بحزم تسوية معينة كما أن في وسعها في بعض الحالات الاخرى أن تصرف اهتمام الفريقين إلى عمل آخر . | |
|