العنف المدرسي تداعيات

بعد تصاعد وتيرة اعتداء بعض الطلاب المارقين على أساتذتهم وزوال «هيبة
المربي» وزعزعة المكانة التي كان يحتلها في صميم المجتمع وتحوُّل ساحات
المدارس إلى «حلبات مصارعة» أطرافها الطلاب وأولياء أمورهم وإخوانهم من جهة
والاساتذةمن جهة أخرى، هذه الحالة، كيف يمكن تطويقها؟ وكيف يمكن كبح هذا
الانفلات و «العنف المدرسي» وترويض جموح الطلاب بما يعيدهم إلى جادة الأدب
واحترام مربيهم الأمر الذي يستعيد معه الأساتذة هيبتهم ومكانتهم في المجتمع
.لا يغيب عن بالنا ونحن نطرح هذه القضية للنقاش ما تعرض له عدد من
الأساتذة من اعتداء وضرب عبر ولايات القطر في دورة البكالوريا2007 والتي
جعلت كثيرا من الجرائد تعج صفحاتها بوقائع هذه الاعتداءات على الأساتذة
خاصة الذين منعوهم من عملية الغش في الامتحانات و مثل هذه الأحداث
تعدغريبة ودخيلة على مجتمعنا .
إن ظاهرة العنف بشكل عام تعد من أكثر
الظواهر التي يجب أن تسترعي اهتمام الجهات الحكومية المختلفة من ناحية
والأسرة من جهة أخرى. حيث نواجه في الآونة الأخيرة تطوراً ليس فقط في كمية
أعمال العنف وإنما في الأساليب التي يستخدمها الطلاب في تنفيذ السلوك
العنيف والهجوم المحموم ضد الأساتذة وخاصة في مواسم الامتحانات الرسمية.
ماذا
يعني مفهوم العنف:
* هو كل تصرف يؤدي إلى إلحاق الأذى بالآخرين، وقد
يكون الأذى جسدياً أو نفسياً فالسخرية والاستهزاء من الفرد، فرض الآراء
بالقوة، إسماع الكلمات البذيئة جميعها أشكال مختلفة لنفس الظاهرة.
*
تشير الموسوعة العلمية (Universals) أن مفهوم العنف يعني كل فعل يمارس من
طرف جماعة أو فرد ضد أفراد آخرين عن طريق التعنيف قولاً أو فعلاً وهو فعل
عنيف يجسد القوة المادية أو المعنوية.
* ذكر قاموس (Webster) أن من
معاني العنف ممارسة القوة الجسدية بغرض الإضرار بالغير ، وقد يكون شكل هذا
الضرر مادي من خلال ممارسة القوة الجسدية بالضرب أو معنوي من خلال تعمد
الإهانة المعنوية للغير بالسباب أو التجريح أو الإهانة.
* هو سلوك أو
فعل يتسم بالعدوانية يصدر عن طرف قد يكون فرداً أو جماعة أو طبقة اجتماعية
أو دولة بهدف استغلال وإخضاع طرف آخر في إطار علاقة قوة غير متكافئة
اقتصاديا وسياسياً مما يتسبب في إحداث أضرار مادية أو معنوية أو نفسية لفرد
أو جماعة أو طبقة اجتماعية أو دولة أخرى.
إن الطلاب يمثلون عناصر
مختلفة وتشكل في مجملها المجتمع المدرسي، ذلك المجتمع المختلف في ثقافاته
المتنافر في مستويات أبنيته الاجتماعية والاقتصادية .
ومن هنا ، ونظراً
لهذا التمازج والتنافر ، فقد ظهر عدم التجانس بين أفراد هذا المجتمع ،
وبالتالي ظهرت كثير من السلوكات الدالة على عدم التآلف بين الطلاب وغيرهم
مما أنتج مواقف كثيرة ظهرت فيها آثار تلك الخلفيات المختلفة للطلاب .
ونتيجة
لهذا المزيج المتنافر طبيعياً المتآلف قانونياً فقد ظهرت كثير من
السلوكيات الشاذة التي زخر بها المجتمع المدرسي ، فوقف أمامها رجال التربية
حائرين ، ليس بسبب كونها غريبة الحدوث بين عناصر المجتمع ، ولكن لكونها
بعيدة كل البعد عن المعايير الاجتماعية والدينية والتربوية التي يفترض أن
تكون هي المحرك الأساسي لطبيعة العلاقات التي تربط بين أعضاء المجتمع ،
خاصة المجتمع الطلابي الذي يفترض أن يكون مجتمعاً مثالياً في تكوينه
وعلاقاته .
ولعل من أهم إفرازات تلك العلاقات الطلابية هو ظهور الكثير
من مظاهر السلوك العدواني لدى بعض الطلاب والمتمثلة في سلوكيات إيذاء الذات
وإيذاء الآخرين ، وليس أدل على شيوع تلك المظاهر مما يرد على صفحات
الجرائد المحلية التي ما فتئت تنقل لنا يوماً بعد آخر صوراً لبعض مظاهر
السلوك العدواني نحو عناصر مختلفة من عناصر المجتمع المدرسي ، طلاباً
وأساتذة وإداريين ، وما يوضحه لنا الواقع من خلال ما يعانيه التربويون
والإداريون من تصرفات بعض الطلاب الخارجة على النظام والأحداث الأخيرة
الحاصلة في كل ولايات الوطن لأكبر دليل على تنامي ظاهرة العنف واستفحالها
في الوسط المدرسي .
وعلى الرغم من أن هذه المظاهر السلوكية تتسم
بالفردية ولا ترقى إلى أن تكون ظاهرة عامة مضادة لاستمرارية الحياة
الاجتماعية ، إلا أنه يمكن القول أنها حالة تؤرق القائمين على العملية
التعليمية والتربوية وغيرهم من ذوي الاختصاص في المؤسسات الحكومية التي
يهمها المحافظة على سير الحياة الاجتماعية كما ينبغي لها أن تسير ، ولذا لا
بد من دراسة هذه السلوكيات دراسة وافية ومتأنية ووضع الخطط والبرامج
الوقائية والعلاجية المناسبة لكيلا تستشري المشكلة وتصبح خارج نطاق السيطرة
والتحكم ،ومن أهم ما يمكن ملاحظته من مظاهر سلوكية مضادة للمجتمع هي تلك
الموجهة ضد الذات كالغياب عن المدرسة والهروب منها والتدخين والتأخر
الدراسي والإدمان وتلك الموجهة ضد الزملاء مثل المشاجرات والاعتداءات ،
وتلك الموجهة للمربين مثل المشاكسات والاعتداءات ، وتلك الموجهة ضد النظام
المدرسي مثل كسر الأنظمة والقوانين المدرسية وتلك الموجهة للمبنى المدرسي
مثل العبث بالمبنى المدرسي وإتلاف بعض محتوياته ، وتلك الموجهة نحو المجتمع
بشكل عام مثل الجنوح وكسر الأنظمة والقوانين والعبث بالممتلكات العامة ،إن
مما لاشك فيه أن هذه المشكلات وغيرها تعتبر خروجاً على النظام التربوي
الذي يفترض أن يكون وطيداً بين فضاءات المدرسة ومؤثرا في نفوس طلابها ، إلا
أن الحقيقة والواقع يؤكدان أن المجتمع المدرسي لا يخلو من مثل هذه
السلوكيات التي ظهرت في صور وأشكال شتى لعل من أهم هذه السلوكيات المذكورة
آنفاً والتي توصف في مجملها بأنها مظاهر للسلوك العدواني أو ما يسمى بالعنف
والذي يعرفه علماء النفس والاجتماع بأنه ظاهرة نفسية اجتماعية تظهر في
سلوكيات الأفراد المختلفة في أشكال وصور شتى تعتبر في مجملها خارجة عن
المعايير الاجتماعية العامة الخاصة بالمجتمع
الأسباب والدوافع :
تؤكد
كثير من النظريات النفسية أن السلوك متعلم يكتسبه الفرد خلال مراحل نموه
المختلفة بعد توفر الظروف والعوامل المساعدة ، ومن أهم ما يمكن ذكره من تلك
العوامل ما يلي :
* القدوة والنموذج الذي يتأسى به الأطفال والمراهقون
ويحاولون تقليدها والالتزام بمعاييرها وذلك لما تتصف به هذه القدوة من
مظاهر شخصية قوية وجذابة تتمثل في بعض السلوكيات البعيدة عن المعايير
الاجتماعية ، وتظهر تلك النماذج في رموز الفن والرياضة وما تظهره وسائل
الإعلام المختلفة في هذا المجال على مدار الساعة .
* التنشئة الاجتماعية
الخاطئة التي اكتسب فيها الفرد الكثير من المعايير والقيم الاجتماعية التي
ساهمت في نقص التطبيع الاجتماعي وبالتالي اضطراب علاقة الفرد مع الآخرين
وبالتالي عدم قدرته على إدراك طبيعة العلاقة الاجتماعية وأفضل الوسائل
لتنميتها.
* تأثير جماعة الرفاق ، التي تعتبر جماعة مرجعية للفرد ،
خاصة خلال فترة المراهقة التي يجد فيها المراهق نفسه أسيراً لهذه الفئة من
المجتمع حيث يتمثل سلوكياتها حتى وإن كانت بعيدة عن المعايير الاجتماعية.
*
عدم توفر الجو المدرسي المناسب المفعم بالحب والدفء والاحترام والثقة
المتبادلة بين أعضاء المجتمع المدرسي والذي يهيئ للطالب الفرصة لممارسة
تربوية يثبت فيها ذاته ويحقق مكانته .
* نقص التوجيه الإرشاد وعدم وجود
مرجعية مناسبة يجد فيها الطالب مبتغاه من التوجيه والتوعية والتبصير بما
يجب أن يكون عليه ، وذلك لعدم قدرة المنزل على ممارسة هذا الدور كما يجب
بسبب تطور الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي ساهمت في الحد من دور الأسرة
في هذا الجانب.
* ممارسة مظاهر مختلفة من الإيذاء النفسي والبدني نحو
الطلاب ومن مصادر مختلفة ، مما ولد الإحساس بالغبن والظلم والقصور مما
يجعلهم يتحينون الفرص للانتقام والأخذ بالثأر وذل بممارسة مظاهر مختلفة من
العنف والعنف المضاد نحو الذات ونحو الآخرين.
* تكوين مفهوم سلبي عن
الذات مما يولد الإحساس بالنقص والقصور الذي يدفع للتعويض وإثبات الذات عن
طريق ممارسات سلوكية شاذة ملفتة للنظر بهدف تحيق مكانة اجتماعية خاصة بين
الأقران.
* الفتور الذي يسود العلاقة بين البيت والمدرسة والفجوة
بينهما ، أدى إلى عدم وجود إستراتيجية واضحة ومشتركة في التعامل مع الطلاب .
علاج
المشكلة :
إن من الأهمية بمكان أن تكون جميع المؤسسات الاجتماعية شريكة
في وضع البرامج والخدمات اللازمة لممارسة إجراءات مناسبة حيال هذه المشكلة
والتعامل معها وفق أسس تربوية تعكس الدور المنوط بهذه المؤسسات ، ومن أهم
ما يمكن ذكره في هذا المجال :
* تقبل الطالب وتوفير أجواء مناسبة يسودها
الحب والحنان والدفء العاطفي مما يولد لديه الإحساس بالأمن فيحب الآخرين
ويحسن التعامل معهم .
* الابتعاد عن استخدام أساليب العنف والقسوة في
التعامل مع التلاميذ والتي قد تولد لديهم العنف والعدوان وحب الانتقام
والعناد واستبدالها بأساليب المحاورة والنقاش والإقناع .
* إعادة
الصياغة للعلاقة بين الطالب والأستاذ والتي يجب أن تبنى على أساس من
التقدير والاحترام المتبادل مع إدراك أهمية المشاعر والأحاسيس في تقبل
الآخر ، والتأكيد على أهمية العلاقة المهنية والإنسانية دون أية اعتبارات
أخرى .
* توعية الطلاب وتبصيرهم بأهمية الاختيار الجيد لجماعة الرفاق
باعتبارها الجماعة المرجعية للطالب يندمج معها فيؤثر فيها ويتأثر بها ويثق
في سلوك أعضائها ويجد القبول لديهم فيتبنى قيمهم وعاداتهم وسلوكياتهم.
*
إعادة التطبيع الاجتماعي للطلاب عن طريق غرس مبادئ الإيثار والتعاون
والعمل الجماعي بعيداً عن الأنانية وحب الذات.
* بناء اتجاهات إيجابية
نحو المدرسة لدى الطلاب لتنمية الانتماء والتقبل للعمل المدرسي وتنفيذ
التعليمات والالتزام بالأنظمة والقوانين والاندماج في المجتمع المدرسي كعضو
فعال.
* بناء برنامج إرشادي نمائي يهدف إلى دعم السلوكيات الإيجابية
لدى الطلاب وتعزيزها واستخدام مبدأ الثوابت لدعم هذه الجوانب الإيجابية في
شخصياتهم .
* وضع نظام مدرسي واضح يتم بموجبه توضيح الأنظمة والقوانين
واللوائح المدرسية ، ويتضمن كذلك التعريف بحقوق الطالب وواجباته ،واللوائح
العقابية تجاه المخالفين ، وألا يكون هذا النظام جامداً ينكر شخصية الطالب
بل لابد وأن يكون له دور كبير في تصميم هذا النظام لضمان تفعيله والالتزام
به لأنه في هذه الحالة نابعاً من ذات الطالب .
* تكوين لجنة رعاية
السلوك بالمدرسة وتنفيذ مهامها في الاكتشاف المبكر للسلوكيات غير المرغوبة
وتصميم برنامج لرعاية السلوك يساهم في إعداده وتنفيذه مع أعضاء المدرسة من
الأساتذة والإداريين باعتبارهم يشكلون فريقاً إرشاديا متكاملاً .
*تفعيل
برامج النشاط المدرسي بحيث يجد فيها الطالب متنفسا له ، يمارس عن طريقها
مواهبه ويكتشف قدراته ويخلق فيه روح التعاون وحب العمل الجماعي .
*
تفعيل جماعة التوعية الإسلامية وتنفيذ برامجها لتحقيق أهدافها وبالتالي
المساعدة في تهيئة المجتمع المدرسي ليكون مجتمعاً مثالياً يلتزم بالمبادئ
والقيم التي تساعد في بناء شخصيات متزنة ومنضبطة
* تحويل السلوك السلبي
( الرفض ) لدى الطلاب إلى سلوك إيجابي ( القبول ) باحترام شخصية الطالب
وإتاحة الفرصة له للدفاع عن نفسه وإبداء ما لديه من أسباب الرفض والقبول .
*
تحقيق المزيد من الانسجام والتفاعل بين المؤسسات الاجتماعية المختلفة
وقيام كل منها بواجبه نحو توجيه وتبصير وتوعية الطلاب وأولياء أمورهم بما
لهم من حقوق وما عليهم من واجبات نحو المجتمع بشكل عام ومؤسساته بشكل خاص.